لطالما احتلت تلك الحلوى الذهبية، التي تأسر الأبصار قبل الأذواق، مكانة خاصة في المطبخ العربي والشرقي على حد سواء. وفي حين أنها ترتبط بشهر رمضان والأعياد والمناسبات الخاصة في العالم العربي، إلا أن للكنافة التركية طابعها الفريد ومذاقها المميز، الذي لا يقل سحراً عن الكنافة العربية. ومع ما تشترك به الكنافة العربية والكنافة التركية من جذور، وتشابه في المذاقات، إلا أن اختلافات جوهرية تتمحور حول طريقة التحضير والمكونات وأسلوب التقديم.
أصل الكنافة: جذر واحد وتفرعات متعددة
الثابت تاريخياً، أن الكنافة ظهرت أول مرة في بلاد الشام، ولا سيما في فلسطين وسوريا ولبنان، وذلك قبل أن تنتقل إلى باقي الدول العربية، في حين أنها وصلت تركيا في العهد العثماني، وأصبح يطلق عليها اسم ‘Künefe’.
أولاً: الكنافة العربية – مذاق أصيل ضارب في التاريخ
المكونات:
تعتمد الكنافة العربية على عجينة الكنافة الشعرية الرقيقة التي تُصنع من طحين القمح والماء، ثم تُخبز بطريقة معينة لتخرج على شكل خيوط دقيقة يتم تفتيتها أو استخدامها كما هي. الحشوة عادة ما تكون من الجبن الأبيض غير المالح (مثل العكاوي أو النابلسي)، أو القشطة، أو المكسرات. بعد الخَبز، يسكب القطر الغني بماء الزهر أو ماء الورد فوق الكنافة لتمنحها حلاوتها الشهيرة، أو عجينة الكنافة التقليدية الغير شعرية.
الأنواع:
- الكنافة النابلسية: أصلها من نابلس في فلسطين، تحضر باستخدام الجبن النابلسي، وتصبغ أحياناً باللون البرتقالي.
- الكنافة الخشنة: هي ذاتها الكنافة النابلسية، إلا تصنع من العجينة الشعرية الرقيقة.
طريقة التقديم:
تقدم ساخنة فور خروجها من الفرن ليكون الجبن طرياً والسطح مقرمشاً. وتُزين بالمكسرات كالفستق الحلبي، وأحياناً بالقشطة أو الكريمة.
ثانياً: الكنافة التركية – الكنافة على الطريقة العثمانية
المكونات:
تستخدم الكنافة التركية(Künefe) أيضاً عجينة الكنافة الشعرية، ولكنها غالباً ما تكون أنعم وأكثر تماسكاً من نظيرتها العربية. أما الحشوة الرئيسية فغالباً ما تكون نوعاً خاصاً من الجبن التركية المسمى بجبن هاتاي، أي أنه مرتبط بولاية هاتاي التركية، وهو جبن خفيف الملوحة يذوب عند الخَبز. تصنع الكنافة التركية على النار المباشرة في صينية نحاسية مسطحة، وغالباً ما تستخدم الزبدة أو السمن الحيواني في صناعتها عوضاً عن السمن النباتي.
طريقة التحضير:
تُدهن الصينية بالزبدة أو بالسمن الحيواني، ثم توضع نصف كمية العجينة، ثم الجبن، ثم باقي العجينة. ثم تترك على نار هادئة حتى تأخذ اللون الذهبي المائل للكراميل، ثم تُقلب وتُطهى من الجهة الأخرى. وأخيراً، يُضاف إليها شراب السكر الخفيف (القطر) مباشرة وهي ساخنة.
طريقة التقديم:
تُقدم الكنافة التركية بشكل فردي غالباً، في صحون صغيرة، وتُزين أحياناً بالقشطة أو الفستق الحلبي المطحون. تُؤكل فوراً وهي ساخنة للغاية، مما يضمن ذوبان الجبن وقرمشة العجينة.
الفرق في النكهات والتجربة الحسية
رغم التشابه في الشكل الخارجي أحياناً بين الكنافة العربية والتركية، إلا أن التجربة الحسية مختلفة بالطبع. إذ تتميز الكنافة العربية بتنوع النكهات: بين الطعم المالح قليلاً للجبنة، والحلاوة الشديدة للقطر، وقرمشة السطح. في المقابل، تعد المذاقات في الكنافة التركية أكثر توازناً في الحلاوة، في حين تميل إلى الطراوة واللزوجة بسبب نوع الجبن المستخدم.
الروائح أيضاً تعد عاملاً فارقاً بين الكنافة العربية والكنافة التركية، فالكنافة العربية تعتمد كثيراً على ماء الزهر والورد وعلى السمن العربي، بينما تعتمد الكنافة التركية على الزبدة الحيوانية والجبن المذاب، ما يمنحها رائحة مميزة ودافئة.
الجانب الثقافي والاجتماعي
تشترك الكنافة العربية مع الكنافة التركية في كونها تقليداً مجتمعياً، وليست مجرد طبق من الحلويات، فرمضان والأيام الخاصة والمناسبات العائلية، عادة ما تشترك فيها الكنافة وتضفي عليها طابعها الخاص.
الخلاصة
على الرغم مما تشترك به الكنافة العربية والكنافة التركية من جذور ومكونات وطريقة تحضير، إلا أن لكل واحدة منهما طابعاً مميزاً يعكس تاريخ وثقافة وذوق شعوبها. إذ تعبر الكنافة العربية عن الفخامة والتنوع، في حين تعبر الكنافة التركية عن البساطة والدفء العائلي. وفي النهاية، تبقى الكنافة بأنواعها المتعددة، تركية كانت أم عربية، عنواناً للحلويات الشرقية وسفيرة للضيافة والأصالة.