العودة إلى تاريخ البقلاوة
يعود تاريخ البقلاوة التركية إلى عدة عصور خلت، حيث برزت كعنصر قوي من ثقافة المأكولات في عهد الإمبراطورية العثمانية. إذ ترتبط صناعتها بكبار الطهاة في المطبخ الإمبراطوري في قصر توب كابي في اسطنبول. ولما كانت طريقة تحضير البقلاوة قيمة للغاية، تم التعامل معها على أنها سر ثمين، توارثته الأجيال من أبناء أمهر الطهاة. كانت البقلاوة في بداياتها طبقاً فاخراً للغاية، لا يحظى به إلا الملوك والنخب، ولا تحضر إلا في المناسبات المهمة. إلا أن طعمها الذي لا يقاوم، لم يلبث إلا وأن فاز بقلوب العوام أيضاً، لتحتل البقلاوة مكانها كسيدة مطبخ الحلويات التركي.
تطور البقلاوة التركية
ومع بقاء الوصفة الأساسية للبقلاوة كما هي على مر العصور، إلا أن المجتمعات المحلية أبدعت وابتكرت الكثير، فيما يتعلق بمذاقات البقلاوة، لتلائمها مع منظومة الذوق لديها، فقامت كل منطقة في تركيا، بإضفاء لمساتها السحرية الخاصة على الوصفة التقليدية. في حين تتميز الوصفة التقليدية للبقلاوة بالفستق الحلبي بشكل بارز، إلا أن واحدة من أبرز التطويرات فيها كانت دمج مجموعة متنوعة من المكسرات أيضاً، إذ صنعت فيما بعد بالجوز واللوز وبمزيج من المكسرات أيضاً. علاوة على ذلك، شهدت البقلاوة تطوراً من حيث الأشكال والأحجام أيضاً. فلم تعد تقتصر على صفائح مستطيلة كبيرة فحسب، بل أصبحت اليوم تصنع بأشكال مختلفة منها اللفائف والمثلثات والشكل الماسي وغيرها، ولا تعزز هذه الأشكال المتنوعة من جاذبية البقلاوة البصرية فحسب؛ بل تلعب دورًا في تحديد قوامها وطعمها أيضاً.
التقاليد في المكونات والتحضير
يتضمن صنع البقلاوة التركية الأصيلة الاستخدام الدقيق للمكونات الرئيسية مثل رقائق العجين والمكسرات والسكر والزبدة والتشريبات اللذيذة. يتم رق العجينة بعناية للحصول على الطبقات الرفيعة التي تضفي مذاقاً مقرمشاً على البقلاوة. يستخدم الفستق الحلبي في الغالب في صناعة البقلاوة التركية، مما يضفي إليها لوناً أخضراً حيوياً ونكهة فريدة توازن مذاقها الحلو. بعد أن توضع البقلاوة على طبقات وتنثر المكسرات فيما بينها، تخبز بشكل مثالي حتى تحصل على قوامها الذهبي والمقرمش، ثم تغمر بمزيج حلو من السكر والماء والشربات اللذيذة، يتغلل في كل طبقة منها.
أهمية البقلاوة التركية
تلعب البقلاوة دوراً هاماً في الثقافة التركية، يجعل منها أكثر من مجرد حلوى تقليدية، إذ تمثل الكرم وحسن الضيافة، وغالباً ما تصحبها مناسبات بهيجة كحفلات الزفاف والاحتفالات الدينية واللقاءات العائلية. لقد عبرت البقلاوة التركية حدود تركيا، وتبناها عشاق الحلوى من جميع أنحاء العالم، لما تتميز به من المزيج المتناغم من النكهات، والإحساس الرائع الذي تتركه في الفم، بالإضافة إلى تاريخها العميق.
وبالتالي، في المرة القادمة التي تتذوق فيها قطعة من البقلاوة التركية، توقف للحظة للتفكير في الجوهر الثقافي الغني والتقاليد القديمة التي تجسدها هذه الحلوى اللذيذة.